بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، أحمده سبحانه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، وأشكره على آلائه وأستغفره – وهو الغفور الرحيم – من خطئي وزللي وأعوذ بوجهه الكريم من شرور نفسي وسيئات عملي .
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . أما بعد .
فإن أصل هذه الرسالة محاضرة ألقيت بنفس العنوان " فاعلم أنه لا إله إلا الله " ضمن الدروس القرآنية العامة التي كنت ألقيها في جامع الراجحي بالربوة في مدينة الرياض ، وقد رأى بعض الإخوة طباعتها ليعم النفع بها ، وقام مشكوراً بتفريغها من الشريط فأجبته إلى ذلك وأعدت مراجعتها وعدلت فيها ما يحتاج التعديل ، لتصبح صالحة للنشر ، فلغة المحاضرة تختلف عن لغة الكتاب ، ومع ذلك سيبقى فيها ما يحتاج لإعادة النظر ، لأن النقص من صفات البشر ن وقد كنت أود أن أكتب لها مقدمة ضافية تليق بأهمية الموضوع إلا أن ضيق الوقت حال دون ذلك ، وعسى أن يسر الله عز وجل – وهو الكريم المنان – كتابة المقدمة المأمولة في طبعة قادمة إن شاء الله تعالى ، وكم لله تعالى على عباده من أفضال عظيمة وآلاء جسيمة ، ييسر لهم الأمور ويحقق لهم المنى وذلك على الله يسير .
وقد قام أخونا الفاضل / نايف بن حبيب آل عر يعر بتخريج أحاديثها ، ومتابعة مراحل طباعتها فله جزيل الشكر وفقنا الله وإياه لطاعته وغفر لنا الذنوب وستر العيوب وجمعنا ومن نحب في دار كرامته إنه قريب مجيب ، والله تعالى الموفق والمعين .
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه .
كتبه د / بشر بن فهد البشر / عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام
ص . ب . 744 الرياض 11643
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد:
فإن الله عز وجل ما خلق الخلق إلا لعبادته قال تعالى : (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) (الذريات:56)
فعبادة الله تعالى هي الأساس والحكمة والغاية التي خلقت من أجلها الخليقة.
ولذلك كانت كلمة التوحيد ، كلمة (لا إله إلا الله " التي تدل على عبادة الله وحده هي أساس دعوة الرسل وهي أصل الأديان التي أنزلها الله عز وجل على عباده .
فهي أصل الإسلام ، وأساسه ، وهي التي دعت إليها الرسل جميعهم – عليهم الصلاة والسلام – ومن أجلها خلق الله عز وجل الجنة والنار .
ولذا كان مما يجب على المسلم أن يعلم معنى هذه الكلمة العظيمة ويعمل بمقتضاها ليكون من الناجين عند الله تبارك وتعالى ولذا قال الله لنبيه r : (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)) (محمد:19) .
فالعلم بـ " لا إله إلا الله " وبما دلت عليه ، وبحقيقة معناها ضرورة من ضرورات الحياة لا يمكن أن يعيش الإنسان سعيداً هنيئاً بدونها ، ولا يمكن أن يكون فائزاً في أخراه بدونها .
ومعرفة لا إله إلا الله تكون للاعتقاد ، وتكون للعمل ، لا لأحدهما دون الآخر ، وقد كان العرب في جاليتهم يعرفون معنى كلمة التوحيد ، فبعضهم علم بها وقبلها ، وعمل بمقتضاها فكان من السابقين السعداء .
وبعضهم علم معناها ولكنه أبى الانقياد لها وقبولها فكان من الأشقياء .
فإنهم لما جاءهم النبي r وطلب منهم أن يقولوا كلمة واحدة تدين لهم العرب – يعني تطيع - ويملكون بها العجم قالوا له : نعطيك عشر كلمات فقال عليه الصلاة والسلام : (( قولوا لا إله إلا الله )) فقالوا (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)) (صّ:5) .
فعلموا المعنى ، وعرفوا أنهم إذا قالوا " لا إله إلا الله " تغيرت حياتهم ، وانتقلوا من حياة إلى حياة وانقطعت صلتهم انقطاعاً تاماً في الاعتقادات والتعبدات بطريقتهم الأولى ، ولما فسد السليقة ، وتغيرت المعرفة بلغة العرب جهل المسلمون معنى كلمة التوحيد ، جهلوا معنى " لا إله إلا الله " فأصبح كثيرون ينطقونها ولكنهم في واقع الأمر ينقضونها .
إذاً لا بد من شرح معنى هذه الكلمة ، ولا بد من بيان ما دلت عليه ، ولا بد من بيان نواقضها حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه خاصة في هذا الوقت الذي تكالبت فيه الأمم على أمة الإسلام فكان لزاماً على أمة محمد r أن تعيد النظر في نفسها ، وفي الخلل الذي أضر بها ، وهذا الخلل معظمه من الداخل وأقله من الخارج.
إن أصل الإسلام يقوم على الشهادتين :
شهادة " أن لا إله إلا الله " وشهادة " أن محمداً رسول الله " .
فشهادة أن لا إله إلا الله معناها : توحيد المعبود ، وشهادة أن محمداً رسول معناها : توحيد المتبوع – عليه الصلاة والسلام - وسنتكلم عن الأولى شهادة " أن لا إله إلا الله " ، فمن شهد أن لا إله إلا الله وعلم معناها وعمل بمقتضاها فإنه تلقائياً يشهد أن محمداً رسول الله .
إن معنى كلمة " شهادة " في لغة العرب : الخبر القاطع الصادر عن علم ويقين . فتضمنت كلمة الشهادة أمرين :
الأول : علم ويقين ، وهذا يكون في القلب .
الثاني : إخبار وإعلام ، وهذا نطق باللسان ، وهو القول .
وإذا تبين معنى كلمة شهادة فإن كلمة لا إله إلا الله تعنى أنه لا معبود بحق إلا الله تبارك وتعالى. فالإله : مأخوذ من أله يأله ومعنى أله في اللغة :عَبَدَ.
فالإله : هو المعبود المطاع الذي تألهه القلوب ، أي تتجه له وتقصده وتخضع له وتذل له وتتعلق به خشية وإنابة ومحبة وخوفاً وتوكلاً عليه وإخلاصاً له تبارك وتعالى .
فـ " لا إله إلا الله " معناها : لا معبود بحق إلا الله .
وقولنا : " بحق " لنخرج من عُبِدَ بالباطل، وهم كل من صرف له نوع من أنواع العبادة من دون الله تعالى ، وهم كثير من الأصنام ومن الصالحين ومن غيرهم .
فالله تعالى هو المستحق للعبادة وحده ، وكل من عبد سواه فالباطل فلا حق في الألوهية لمخلوق ، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل .
(( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)) (الحج:62) .
وهذه الكلمة تشتمل على ركنين :
نفي وإثبات .
فالنفي هو قولنا " لا إله " والإثبات هو قولنا " إلا الله " .
فـ " لا إله " نفي جميع ما يعبد من دون الله تعالى ، " وإلا الله " : إثبات جميع أنواع العبادة لله رب العالمين وحده لا شريك له في عبادته ، كما لا شريك له في ملكه ، وربوبيته ، ففيها إذن براءة من كل ما يعبد من دون الله تبارك وتعالى ، وفيها تحقيق العبودية لله وحده .
وقد جاء معنى الكلمة العظيمة في آيات كثيرة من كتاب الله قال تعالى : ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)) (النحل:36) .
فقوله تعالى : (( أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ)) هو معنى قوله " إلا الله " وقوله : (( وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )) هو معنى قوله " لا إله " .
وقال تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)) (الأنبياء:25) .
وقال تعالى (( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (البقرة: من الآية256)
فقوله جل وعلا " (( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ)) هو معنى قوله : " لا إله " ومعنى قوله : (( وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ)) هو معنى : " إلا الله " فهي إذا تفيد نفس معنى لا إله إلا الله .
وكذلك قال تعالى : (( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)) (الزمر:17، 18) .
وقال تعالى : (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)) (البينة:5) .
ومعنى قوله : (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ)) هو معنى قوله : " لا إله إلا الله " لأن معنى قوله (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا)) هو حصر للعبودية لتكون حقاً خالصاً لله رب العالمين ، وأكد ذلك قوله : (( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)) .
ومعنى حنفاء : مائلين عن الشرك إلى التوحيد .
وإن كل رسول أرسله الله عز وجل منذ أن أرسل نوحاً إلى أن أرسل خاتمهم محمداً r يقول لقومه : (( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) (هود: من الآية50) .
فهي أول ما تدعو إليه الرسل أقوامهم ، وإن كانت دعوات الرسل تشتمل أيضاً على بقية الاعتقادات والعبادات وغيرها ، ولذلك نجد أن شعيباً- عليه السلام- يدعو إلى عبادة الله وحده ، ثم بعد ذلك ينهاهم عن التطفيف في المكيان والميزان .
وكذلك سائر الأنبياء عليهم السلام دعوتهم لإخلاص العبودية لله وحده ولأخذ الأوامر والنواهي من الله رب العالمين .
وقد اشتملت كلمة التوحيد على أنواع التوحيد كلها .
* على توحيد الألوهية .
* وتوحيد الربوبية .
* وتوحيد الأسماء والصفات .
فتوحيد الألوهية مطابقة ، أي اشتملت عليه مطابقة . ودلالة المطابقة معناها : دلالة اللفظ على تمام ما وضع له في لغة العرب .
واشتملت على توحيد الربوبية والأسماء والصفات تضمناً ، ودلالة التضمين معناها : دلالة اللفظ على جزء معناه كدلالة الإنسان على بعض أعضائه .
فتوحيد الألوهية ويقال له : توحيد العبادة هو توحيد الله تبارك وتعالى بأفعال عباده أي أن العباد يفرون ربهم تبارك وتعالى بكل أنواع العبادة ويخلصون له فيها جل وعلا ، فلا يشركون معه غيره .
فالعبادة حق خالص لله تعالى لا حظ فيها لأحد لا من الملائكة المقربين ولا من الأنبياء المرسلين ولا من الأولياء الصالحين ولا من غيرهم .
والعبادة باعتبار ما أمر الله به : اسم جامع لكل ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ، فشملت إذاً كل أمور الحياة ، ولذلك قال الله تعالى لنبيه r : (( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) (الأنعام:162) .